نهاية اليوتيوب في 2020

تخيّل عندك شركة ناجحة ومُنتج ناجح، ولكن غالبية زبائنك يكرهوا منتجك او هناك امور كثيرة لاتعجبهم فيه؟ في عالم التجارة هذا يعني من يوم مايظهر منافس لك، سنتنهي من السوق.

هذا ماحدث سابقا لنوكيا، وتوقعت هذا الامر عندما تحدثت بشكل مباشر مع مدير تنفيذي في نوكيا قابلته في ماليزيا، وقال لي بالحرف الواحد ” لماذا تعتقد ان شركة كبيرة مثل نوكيا ستهتم برأي موظف صغير فيها؟” ولكن اين نوكيا الان؟ صراحة، التوقع لم يكن ذكاء مني بل كان نظرة واقعية في بدايات ظهور الجلاكسي والآيفون وتأخر نوكيا كثيرا في ذلك الوقت في الاستماع لزبائنها والانتقال للهواتف ذات شاشات اللمس وامور اخرى كثيرة كنت اسمعها بشكل يومي من العملاء والموزعين وتجار الجُملة، نوكيا لم تكن تهتم برأي أحد.

الان، وفي عام 2018، اتوقع بنهاية 2020 نفس الامر سيحصل لليوتيوب. توقعي انه لن ينتهي تماما، ولكن سيصبح مثل نوكيا، جزء من منظومة اكبر تشمله ولكن سينتهي كمحرك البحث الاول في العالم، ومنصة الفيديو الاولى في العالم. والسبب هو نفسه، اليوتيوب يرفض الاستماع لصنّاع المحتوى ويرفض فعل مايناسب المشاهدين، بل مركز أكثر على العملاء (المعلنين).

ماهو اكثر فيديو حاصل على ديسلايك (عدم إعجاب) في اليوتيوب حاليا؟ هل هو فيديو لدونالد ترمب؟ ام احد فيديوهات داعش؟ ام هو فيديو لأحد النازيين الجدد؟

ليس كل هذا، بل هو فيديو خاص بشركة اليوتيوب نفسها يحتفل بإنجازات عام 2018. والفيديو له اسبوع واحد فقط! ومع ذلك حصل على اكثر من 10 مليون ديسلايك! في أسبوع واحد!

ومن تجربة مع اليوتيوب، وتجربة في الحملات التي شاركت فيها معهم، كل الفيديوهات التي يعملها اليوتيوب ويحاول دعمها بنشرها، تواجه الكثير من الديسلايك.

ماهي الاسباب؟

دعونا ننظر إلى الفيديو اعلاه، اسباب كراهية الفيديو من الناس تختصر لنا المشكلة:

  1. الفيديو مفترض يختصر اهم الاحداث في اليوتيوب في عام 2018. هناك الكثير من الامور التي حدثت العام الماضي وتابعها الكثير من الناس، ولكن ركز اليوتيوب عل بعض الوجوه المعروفه اعلاميا مثل ويل سميث وترفر ناوا، بينما اكبر اليوتيوبرز من الشرق والغرب لم يكونوا موجودين. 
  2. اعطيت مساحة كبيرة لصنّاع المحتوى الامريكان، بين غيرهم قالوا كلمة او اثنين فقط.
  3. التركيز على كل ماهو لطيف مع المعلنين بينما القضايا المحورية التي تهم العالم حاليا لم يتم التطرق لها إطلاقا او مروا عليها مرور الكرام. سمعتوا مشيّع الغامدي عندما قال ” العائلة هي كل شيء”؟ قارنوا بين هذه الجملة والمساحة التي اعطيت لموضوع العائلة ومقدار المساحة التي اعطيت للقيميرز (قنوات الالعاب) والاغاني الكورية ؟ المعلنين يريدوا الاغاني الكورية وشركات الالعاب تدعم بإعلانات قوية، فخزينة اليوتيوب تمتلئ، لكن امور مهمة مثل العائلة، الأطفال، التعليم، الصحة النفسية، كلها مروا عليها مرور الكرام.
  4. لعبة فورتنايت يبدوا انها كانت الراعية او شريك للفيديو، حيث كان لها تواجد قوي في الفيديو. وكأنها اهم حدث في عام 2018. ربما هي اهم ماحدث في عالم الالعاب، ولكن اليوتيوب حسب فهمي ليس منصة ألعاب.

وأمور اخرى كثيرة، هناك فجوة كبيرة بين اليوتيوب والمشاهد العادي، وهناك فجوة اكبر (من وجهة نظري) بين اليوتيوب وصنّاع المحتوى فيه. لم اذهب لأي ملتقي لليوتيوب إلا وجدت الغالبية لديها مشاكل من نوع او آخر. وهذا سبب انتقال الكثير من صنّاع المحتوى لمنصات اخرى مثل Twitch. هذه المنصة تنافس اليوتيوب حاليا في البث المباشر. وعندما تأتي منصة تنافسها في رفع الفيديوهات المسجلة مسبقا. سنقرأ الفاتحة على اليوتيوب.

ماهو الحل؟

  1. اعتقد اليوتيوب يحتاج ان يتوقف عن تطوير المزيد من الخدمات المنبثقة عنه، ويأخذ خطوة للوراء، ويبدأ في الاستماع للمشاهد العادي بنفس الجدية التي يستمع بها للمُعلن. ماذا يكره في اليوتيوب؟ ولماذا؟ ماذا يود ان يتم إضافته؟ لماذا ؟ كيف؟ كل هذه الاسئلة يجب أن تُسأل ويتم النظر فيها وتحليلها.
  2. صنّاع المحتوى هم المحرك الاساسي لليوتيوب، شركة اليوتيوب لاتصنع الفيديوهات، بل وفرت المنصة لرفعها. اذا توقف صنّاع المحتوى عن عمل الفيديوهات، سيموت اليوتيوب، إذا انتقل الصنّاع لمنصة اخرى، سينتهي أيضا. لذا، ومن المهم جدا لليوتيوب، ان يكون هناك تواصل مباشر معهم وان يستمع لمشاكلهم ويقوم بتسهيل مايمكن، كما يجب النظر لهم بشكل عادل. هل تعلم ان صنّاع المحتوى في امريكا دخلهم من اعلانات اليوتيوب اكثر من صنّاع المحتوى في العالم العربي؟ بمعدل قد يبلغ أحيانا 5 أضعاف! يعني اذا حسن متولي من مصر عمل فيديو وحصل على 10 الاف مشاهدة، وديفيد جاكسون في نيويورك عمل فيديو مماثل وحصل ايضا على 10 الاف مشاهدة، وحصل حسن على 10 دولار دخل عن الفيديو، سيحصل ديفيد على 50 دولار لنفس الفيديو. احد الاسباب هو مايدفعه المعلنين، ولكن من يطلب منهم هو اليوتيوب، من وجهة نظري اليوتيوب يجب ان يعامل صناع المحتوى كموظفين، يدخل عامل تكلفة الحياة في موضوع رواتبهم ولكن ليس لأن يصل الامر لخمسة اضعاف! واحيانا اكثر، صديق لي أمريكي، قناته مشاهداتها اقل من قناتي، ولكن دخل قناته 6 اضعاف دخل قناتي. عل الرغم اني في كندا. رأيت لوحة التحكم بنفسي ورأيت الارقام. 
  3. يحتاج اليوتيوب ان يلتفت للامور التي تهم الانسان العادي في الشارع والذي يتابعه بشكل يومي. هذا الانسان يتابع اليوتيوب للترفيه، لمتابعة الاخبار ولتعلم امر ما يحتاجه. اذا اهتم اليوتيوب بهذه المحاور اكثر، سيجد رضا اكثر من المتابع وربما الديسلايك سيتحول إلى لايك.

 

أبوبكر إدريس

صانع محتوى، مستشار تعليمي ومحاضر جامعي