التعليم عن بعد ( بالمراسلة)

قد يختلف شخصان على أهمية الشهادات العليا، ولكن لن يختلفا على أهمية التعليم للفرد والمجتمع. مرة بي قصص كثيره عن شباب طموح أجبرته ظروفه المادية أو الإجتماعية على وضع حلم التعليم جانبا. وهناك من لم تكن المادة عائقا ولكنه إختار العناية بوالدته المريضة أو الإهتمام بإخوته الصغار كونه أكبر من في البيت سنا. وكل هذه أسباب نبيلة. أحد الحلول اللتي أوجدت في القرن الماضي وتطورت بشكل كبير لتبرز حلا جذريا للمشاكل المذكوره أعلاه هي الدراسة عن بعد.

التعليم عن بعد أو الدراسة بالمراسلة أو الدراسة من خلال الإنترنت كلها مصطلحات لأسلوب تعليمي واحد وهو بالإنجليزية  Distance Learning. وهو أسلوب تعليمي يعتمد على المبدأ أن الطالب لايمكنه حضور الحصص الدراسية في الفصل الدراسي لأسباب عملية، مرضية، إجتماعية وغيرها. هذا الأسلوب التعليمي يتيح للمقيم في اليابان والمقيم في المغرب الدراسة في نفس البرنامج، في نفس الوقت، مما يقرب المسافة الجغرافيه بينهم من خلال تعليم.

بدأ التعليم عن بعد من خلال بعض الجامعات الأوروبية و الأمريكية في أواخر القرن الماضي وكان كل شئ يتم عن طريق البريد، حيث كان الطالب يحصل على الكتب، شرائط التسجيل و شرائط الفيديو من خلال البريد، كما كان الطالب بدوره يقوم بإرسال الواجبات المدرسية باستخدام البريد أيضا. تطور الأمر في أواخر الثمانينات ليتم من خلال القنوات التليفزيونية و كانت شبكة الأخبار البريطانية رائدة في هذا المجال. وفي أوائل التسعينيات ظهر الإنترنت بقوة كوسيلة اتصال بديلة سريعة و سهلة ليحل البريد الإلكتروني محل البريد في إرسال المناهج الدراسية. وفي أواخر التسعينات وأوائل القرن الحالي ظهرت المواقع التي تقدم خدمة متكاملة للتعليم عن طريق الإنترنت. وحديثا ظهرت الفصول التفاعلية التي تسمح للمعلم أو المحاضر أن يلقي دروسه مباشرة على عشرات الطلاب في جميع أنحاء المعمورة دون التقيد بالمكان بل وتطورت هذه الأدوات لتسمح بمشاركة الطلاب بالحوار والمداخلة، وهذا هو مستقبل التعليم عن بعد.

أذكر خلال مرحلة الماجيستير كانت هناك مادة طلب منا فيها تسليم كل الأبحاث والمشاريع الدراسية من خلال النت وسيكون المشرف علينا محاضر من فرع الجامعة الرئيسي في أستراليا. وكان دور المحاضر في ماليزيا في تلك المادة مقتصرا على شرح المنهج. أما من يخبرنا ماهي الواجبات أو المشاريع المطلوبة والمسؤول عن التصحيح هو المحاضر الآخر في أستراليا. كانت تلك تجرتي الأولى في التواصل التعليمي عن بعد. دارت في بالي أسئلة كثيرة، مثلا كيف أستطيع مراسلته إذا كان عندي سؤال؟ كيف أتأكد أن المشروع وصل له؟ كيف سيخبرنا بالنتائج؟ وغيرها الكثير. ولكن بعد أن بدأ الفصل تم تعريفنا بي اللوحة الإلكترونية السوداء Blackboard، وهي برنامج تفاعلي يستخدم في أغلب الجامعات المعتدة لنظام التعليم عن بعد.

 من خلال Blackboard إتسطعت التواصل مع مشرفي وتسليم الأبحاث ورؤية دراجتي وإستلام تعقيب المشرف على بحثي. وجدة سهولة وإنسيابية في إستخدامة. رغم أني لم أعد لدراسة أي شئ عن بعد بعد ذلك إلا أنه أثار فضولي عن برامج الدراسة عن بعد. وجدت أن أكثر نقطة مثيرة للجدل في مسألة الدراسة عن بعد  هي الإعتراف بالشهادة من عدمها.  وهو حديث قد يطول لذلك سنلخصه كالتالي:

  1. البرامج الدراسية اللتي تكون الدراسة فيها بالكامل عن طريق الدراسة عن بعدغير معترف به من حكومات الدول العربية. بالتالي، لايمكن إستخدام الشهادة للعمل في أي جهة حكومية عربية. كما لا يمكنك إستخدام الشهادة لإيجاد تصريح من مكاتب العمل. هناك حل لهذا الأمر سيناقش في الأجزاء اللاحقه من المقال.
  2. البرامج الدراسية اللتي تكون الدراسة فيها بالكامل عن طريق الدراسة عن بعد معترف به من حكومات أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية بشرط أن يكون البرنامج حصل على كل التراخيص اللازمة.
  3. القطاع الخاص، بغض النظر عن الدولة، لا يركز كثيرا في مسألة الدراسة عن بعد، تركيزهم دائما منصب على مدى قدرتك على إجادة العمل. إلا قي التخصصات اللتي لايمكن لهم السماح لك بالعمل بدون تصريح من الجهات الرسمية مثل التخصصات الطبية. لذلك بإمكننا القول أن القطاع الخاص يقبل شهادات الدراسة عن بعد حتى لو كانت كل الدراسة بالمراسلة.

للتعليم عن بعد إيجابيات كثيره، مثل المرونة في القبول والتعليم حيث أصبح بإمكان المتعلم التعلم في أي وقت وفى أي مكان والتقديم والحصول على قبول طوال السنة. أيضا يساعد التعليم عن بعد في توفير النفقات الدراسية حيث يعتبر هذا النوع من التعليم أقل تكلفة عن غيره من نظم التعليم. وبإمكان الطالب ممارسة حياته اليومية والعمل وتكوين أسرة. ومن سلبيات التعليم عن بعد غياب القدوة والتأثر بالمعلم في هذا النوع من التعليم. ويصعب في هذا النوع من التعليم اكتشاف المواهب والقدرات لدى المتعلمين وماهو أصعب هو تطويرها. ولا تنمي الدراسة عن بعد القدرة اللفظية لدى المتعلم، ويغيب أيضا الجانب الإنساني في العملية التعليمية. ولكن لايجب أن تؤخذ السلبيات على أن هذا الأسلوب التعليمي غير ناجح. عندما بدأ التعليم عن بعد ينافس التعليم المباشر في أوائل الألفية برزت أسئله كثيره عن مدى فاعليتة هذه الأسلوب التعليمي وكان التركيز على سلبياته بشكل كبير، فقامة جامعة شرق كالورينا الأمريكية بإجراء بحث في هذا الأمر وكانت النتائج أن التعليم عن بعد يساوي فعالية التعليم المباشر.

وبالنظر إلى الإيجابيات والسلبيات نجد أن الدراسة عن بعد قد لاتكون مفيده للكل، ولكن قد تكون مفيده جدا للبعض، مثلا :

  1. ذوي الخبرة العملية الطولية الذين لايمكلون الشهادات.
  2. صاحب المسؤليات الإجتماعيات اللتي بناء عليها لايستطيع الإلتزام بدوام دراسي يومي أو السفر للدراسة.
  3. ذوي الإحتياجات الخاصة.
  4. ربة المنزل.
  5. المرتبطين بأعمال في السلك العسكري.

هناك العديد من الجامعات اللتي توفر فرص التعليم عن بعد ، من أجل أن يتغلب المرء على السلبيات و يحصل على قدر أكبر من الإيجابيات، نوصي بالتالي:

  1. أن يلتحق بأحد الجامعات اللتي توفر فرص التعليم عن بعد والتعليم المباشر في نفس الوقت. هذا سيضمن أن شاهدتك لن يذكر فيها أي شيء يدل على أنك درسة من خلال المراسلة، لأن ذلك مثل ماذكرنا سيؤدي بعدم الإعتراف بها في بعض الدول.
  2. عليك التأكد من إجادة اللغة الإنجليزية قبل إقتحام هذا النظام التعليمي لأن أفضل الجامعات كلها تدرس باللغة الإنجليزية.
  3. تأكد أن الجامعة معترف بها من جهات الإختصاص في بلدها وهذا أصبح سهلا من خلال الإنترنت.

هناك العديد من الجامعات اللتي يمكن الإلتحاق بها، أسعارها تختلف وأنظمتها قد تختلف، ولكن الجامعات التالية توفر للطالب مزيجا من الإعتراف الدولي ومرونة في الدراسة قد تجعلها خيارا ممتازا لراغبي الدراسة عن بعد.

  1. جامعة بريطانيا المفتوحة 

تأسست هذه الجامعة في عام 1969م وهي ذات تاريخ طويل وعريق في التعليم عن بعد. ويوجد بها أكثر من 16 الف طالب. أهم مايميز هذه الجماعة أنها تحتوي على نظام الدراسة المفتوح بمعنى يستطيع الطالب إختيار المواد اللتي يريدها وان يقوم “بتفصيل” البرنامج الدراسي الذي سيوصله لأهدافه العملية، هناك طبعا مواد إجبارية لابد منها. أنا أعتبر هذا النظام جميل وكم أتمنى وجوده في باقي الجامعات.

  1. جامعة المدينة العالمية في ماليزيا

تحدثت عن هذه الجامعة من خلال مقال سابقي لي، بإمكانكم الرجوع إليه من خلال هذا الرابط

  1. جامعة والدن الأمريكية 

تأسست الجامعة  في عام 1970م من قبل اثنين من المدرسين الذين سعوا إلى إيجاد وسيلة للموظفين والمهنيين لإكمال دراستهم. يوجد في الجامعة أكثر من 46 الف طالب من أمريكا و من 120 بلد أخرى. تعتبر هذه الجامعة أسهل من حيث متطلبات الدراسة ولكنها تطلب من الطالب الحضور لأمريكا على الأقل لبضعة أسابيع خلال فترة الدراسة لحضور بعض الحصص الجماعية.

نتمنى أن تكون هناك إستفادة من هذه المعلومات ونرحب بأي سؤال أو إستفسار.

.