لماذا لانكون مثلهم

قبل سبعة سنوات كنت أتجول مع صديق لي داخل ناطحة السحاب الماليزية، البرج التوأم (Twin Towers) وهو مكان جميل للتسوق او التجوال. وبينما نحن خارجون أجد شخصا يسير والناس من حوله يلقون عليه التحيه أو يطلبون صورة معه، ظننته ممثلا مشهورا أو رياضي معروف، ولكن بعد إقترابي دهشت لما رأيت، حيث كان الرجل هو رئيس وزراء ماليزيا في ذاك الوقت، مهاتير محمد.

لم أدهش لرأيته، حيث لم تكن هذه المره الأولى التي أشاهده فيها، ولكن دهشت لانه كان يسير بمفرده ومعه فقط سائقه. سألت نفسي، ماذا فعل هذا الرجل حتى أصبح يعامل مثل المشاهير المحبوبين، وماذا أسس حتى أصبح امنا على نفسه لهذه الدرجه؟ إقتربت منه ومددت يدي للسلام عليه، نظر إلي من خلف عدسات نظارته وسألني من أين أنت، قلت انا من تشاد، فقال مرحبا بك في ماليزيا، طلبت أن أتصور معه فوقف بيني وبين صديقي وطلب من أحد الأشخاص الواقفين تصورينا.شكرته على الصوره وبدأت خطواتي تسير ولكن توقف تفكري عند لحظت وقوفي إلي جانبه والحديث معه. ماهذا التواضع؟صديقي ( من جنسيه عربيه) لم يستوعب اننا تحدثنا وتصورنا مع رئيس وزراء دولة. قال لي بأنه لم يتمكن في حياته من الدخول والحديث مع مدير إداره حكوميه في بلده، قلت له بالعاميه ( الحال من بعضه).

أول مره رايت فيها مهاتير محمد كانت قبل ذلك ببضع سنين. كنت مسؤول الشؤون الداخليه في جمعية الطلبه الأفارقه في ماليزيا، وهي جمعيه تهتم بشؤون الطلبه الأفارقه في مختلف الجامعات والمعاهد في كل ماليزيا. وفي تلك الفتره نظمت الجمعيه برنامج ثقافيا عن القاره السمراء ففكرنا في دعوت مسؤول ماليزي كبير لحضور البرنامج، مندوب عن وزارة التعليم أو أحد الأحزاب الماليزية أو ممثل لأحد العائلات المالكه. فكرنا كثيرا من نستدعي وكيف، تذكر أحد الأخوه أن جامعتنا يعمل فيها مسؤول الشبيبه في الحزب الوطني الملاوي (UMNO)، وهو الحزب الحاكم في ماليزيا، فكانت فكره حسنه أن يعرض البرنامج عليه أو ان يساعدنا في دعوة مسؤول كبير. بعد ما عرض البرنامج عليه، قال للمجموعه اللتي ذهبت للحديث معه، لماذا لا تدعو مهاتير؟ انا الذي لم أكن متواجدا وسمعت إقتراحه أصبت بالدهشه، فمابالكم بالذين سمعوا إقتراحه مباشره؟

مع عدم إقتناعنا بموافقة مهاتير على الحضور أرسلنا الدعوه لمكتبه وكانت دهشتنا أنه أرسل مع مسؤول الشبيبه موافقته. الجامعه نفسها صدمت للخبر أن رئيس الوزارء سيحضر برنامج منظم من مجموعه صغيره من الشباب والشابات الغير ماليزيين. نظم البرنامح وحضر مهاتير، قبل أن يجلس في مقعده، احضرنا له لبسا تقليديا أفريقا وسألناه إذا كان لا يمانع في لبسه. رحب كثير وبدأ في لبسه مباشره على بدلته ( امام الناس) وقال بصوت مرتفع (okay, I am an African King) أو بمعني، أنا اليوم ملك أفريقي.

دروس كثيره تستفاد من المثالين أعلاه، التواضع، التعرف على ثقافات الشعوب، والملاطفه في الحوار هي من أهم المميزات التي ينبغي أن تكون متواجده في أي قيادي عصري يتوق للنجاح، انا لا أطلب أن يكون الكل مثل مهاتير، ولكن أتمنى أن يتعلم البعض شيئا مما عنده. قبل أن أختم أذكر قصه سمعتها من أحد أخواننا التشادين الذين يدرسون حاليا في ماليزيا، هو رئيس إتحاد الطلبه الأجانب في جامعته، ذهب لحضور مؤتمر تعليمي مع جامعته، حضر هذا المؤتمر مجموعه من المسؤولين من ضمنهم وزير التعليم الماليزي.

كان لدى أخانا التشادي فكره جميله وهي تتعلق بربط كل إتحادات الطلبه في ماليزيا ووزارة التعليم من خلال مكتب تنسيق وبرامج ثقافيه وتوجيهيه، من خلال المؤتمر وجد فرصه للتحدث مع الوزير وأخبره بفكرته، فقال له الوزير ” فكره جيده، انا مشغول للأسبوعين المقبلين لكن هذا كرتي، الرجاء الإتصال علي بعد أسبوعين وممكن أن نتقابل في احد المطاعم ونتحدث في الموضوع”

بساطه وتلقائيه جميله وياحبذا أن نكون مثلهم.

.