قصة نجاح مطعم البيك

مطعم البيك، ذاك الصرح الذي سبب الكثير من الأفراح والأحزان. الكثير من الأفراح والإبتسامات بعد تذوق طعامه الشهي وخدمته الإحترفية، والكثير من الأحزان نتيجة الطوابير الطويلة جدا في غالبية فروعه. والحقيقة هي، تلك الطوابير الطويلة ليست بسبب بطء الخدمة أو قلة عدد موظفي المطعم. بل بسبب الإقبال المنقطع النظير على المطعم. سافرت إلى العديد من الدول ولم أرى في حياتي مطعما عليه إقبال مثل الإقبال على مطعم البيك ( بسم الله ماشاء الله).

عندما كنت طفلا صغيرا في أزقة حي الهنداوية في مدينة جدة، كانت هناك روائح مميزة، منها رائحة “مطعم البيك” وبعد أن هاجرت، أصبح أحد الأمور اللتي أفتقدها. لدرجة أنني عندما أعود إلى جدة، تكون أول وجبة أمامي هي مطعم البيك!

ماقصة هذا المطعم، وماهي عوامل نجاحة؟ الأمر ليس بالسهولة اللتي يعتقدها البعض، بل كانت هناك سنوات طويلة من العمل والكدح والتخطيط والبناء وإعادة البناء. وفي محاضرة له في الغرفة التجارية الصناعية في مدينة جدة، ذكر رئيس مجلس إدارة مطاعم البيك المهندس رامي أبو غزالة قصتهم، وكيف نجحوا، إستفدت منها كثيرا، وأذكرها لكم أدناه مجمعة من مصادر مختلفة، وهذه القصة حقيقة هي أشبه براوية درامية نتتهي بنهاية سعيدة. يقول المهندس رامي:

Ramiمن قبل 35 سنة كانت المملكة تعيش فترة الطفرة فكان الناس أكثر اكلهم خارج المنازل فكان هناك حاجة ماسة إلى مطاعم صحية فجاءت الفكرة من الوالد في البحث عن مطاعم نظيفة تقدم وجبات صحية للمجتمع , لأنه في تلك الفترة كانت المطاعم شعبية وغير نظيفة , فاخذ يبحث في السوق المحلي ( دراسة جدوى ) فلم يجد ما يريده , ثم سافر إلى الخارج وتعاقد مع شركة تسمى ( البروست ) فكانت هذه أول كلمة تدخل في مصطلح الشارع , وكان الوالد وكيلها في المملكة – جدة فعندما بدأ كان هو الذي يعمل الأكل ويستقبل الزبائن ويتحاسب معهم ويعمل كل شيء في المحل لوحده وكان هذا الأمر صعبا جدا عليه , وبما أن الفكرة كانت جديدة على المجتمع فكان تقبل الناس بطيء جدا لانهم تعودوا على دجاج أبو سيخ وكانت بدايته في 1974م وهي أول بداية وأول فرع كان في المطار القديم , وكان زعلان جدا وقلق بسبب قلة الزبائن فلم يكن يأتي سوى 100 شخص على مدار السنة رغم ذلك فانه كان شديد الاصرار على النجاح وبعد سنتين توفى الوالد وكنا مانزال في الجامعة ( احسان ورامي ) فجاءنا خطاب من الشركة التي كان متعاقد معها الوالد تخبرنا بان الوكالة ألغيت بسبب موت الطرف الآخر ( الوكيل ) , فاصبح العمل كله ضائع , وماكان لدينا رؤية لكي نكمل هذا المشوار , بعد سنتين من الحادثة تخرج الابن الاكبر ( احسان ) من الجامعة تخصص ( بترول ومعادن ) فأخذ يفكر في طريقة ليكمل المشوار الذي بدأه الوالد فوجد فوضى كبيرة مثل الخسائر ومؤسسات كانت لدينا غير مجال المطاعم , فمثل هذا الشاب كان في مطلع العمر واتخذ قرارا جريء جدا وهو أن يصفي كل الأعمال الموجودة ويختصرها على شغل المطاعم , وهذا القرار اثر علينا حتى هذه اللحظة وهو أن نعمل في مجال المطاعم بالرغم من انه في غير اختصاصنا , تخرجت انا ( رامي ) بعد سنتين من الجامعة , ثم جاءت رسالة من البنك بمديونية بالملايين , فاعطانا البنك خيار من اثنين :

– أولا:  اما أن نسدد الديون على دفعات لمدة سنتين.
– ثانيا: نحجز كل الممتلكات.

ولكن بسبب وجود حافز لدينا في اكمال المشوار الذي بدأه الوالد اخترنا التوقيع على كمبيالات ودفعناها على مدى سنتين وكنا نستخدم التقشف فكنا نعمل في مكاتب صغيرة جدا وضيقة حتى السقف كنا نحني رؤوسنا عندما نقف , والغينا الشاي والقهوة في المكاتب , وقد علمتننا هذه التجربة كيف نحافظ على اموالنا وحلالنا , وتعلمنا أيضا أن لا نأخذ قرض من أي بنك واصرينا على المعرفة وان نعرف كل شيء يتعلق بمجالنا على أساس نستطيع ادارته بشكل سليم فسافر اخي ( احسان ) إلى فرنسا لدراسة علم ( تكنولوجيا الإدارة ) والتي من خلالها استطعنا أن نصل إلى الاستقلالية في العمل بمعنى أن نتخلص من موضوع الوكالة فقد كنا نشتري الخلطات السرية من الشركات وهذا كان مكلف , فاخذنا نفكر بانه عندما نتوسع في العمل يجب أن يكون لدينا علم يغنينا عن هذه الشركات فاشتغلنا على الخلطات السرية وجربناها على الزبائن دون علمهم , فاخذت منا هذه المرحلة من 3 إلى 4 سنوات , فقد كنا يوميا نحضر المواد الاوليى نشحنها على السيارة ونغلق الباب في محل سري لا يدري عنه احد , نحضر فيه الخلطات ثم نذهب بها إلى مركز الإنتاج .

بالنسبة لي كان لابد أن اعمل انا بنفسي , فخلعت الثوب ولبست زي المطاعم وجلست فترة طويلة في المطاعم على ركبي نظفت الحمامات ومسكت المكنسة وتعلمت كيف اكنس وامسح الغبار , تعلمت خدمة الزبائن والكاشير , فهذه شغلة ضرورية جدا لأي شاب يبدأ عمله الجديد بعد ذلك واجهتنا مشكلة وهي وجود 400 مطعم بروست في مدينة جده وحدها , وقد اسيئ لكلمة ( بروست ) بمعنى الكلمة , فلو اخبرت شخص في ذلك الحين عن مطعم بروست فسوف يسألك ( هل هو صحي هل هو نظيف .. الخ ) فكان لازاما علينا أن نميز منتجنا عن باقي المطاعم المنافسة , فاخذنا في تدريب العاملين على فن الخدمة وترتيب العمل والجودة في المنتج حتى يلمس الزبون الفرق بيننا وبين المطاعم الأخرى, وأيضا جاءت فكرة اسم ( البيك ) وحتى ننفصل عن اسم البروست فاجتمعنا نحن العائلة وبدأنا بكتابة قائمة كبيرة باسماء مقترحة حتى توصلنا إلى اسم ( البيك ) وهو مأخوذ من المصطلح العثماني ( الباشا ) .

أسباب نجاح البيك كشركة 
تعتمد الشركة على أربعة اعمدة رئيسية إذا فقدت واحدة اختل التوازن وهي :
1- الناس : وهم الزبائن والعاملين , فقبل أن نتخذ أي قرار كان يجب علينا أن نراعي ماهي الفوائد التي سيجنيها الزبون والعامل أيضا .
2- الجودة : ( جودة الأكل وجودة الخدمات ) فان لها اولوية.
3- الربح طويل المدى : لاتفكر في الربح القصير فان أي شيء يأتي بسرعة سيذهب بسرعة , فلقد استمرينا أكثر من 25 سنة بسعر ( 10 ريال ) وكان بامكاننا أن نزيد من السعر , ولكن التزامنا بالربح الطويل هو الذي ساعدنا على النجاح .
4- التفاعل مع المجتمع : أي شركة أو فرد يفكر انه يستطيع أن يعيش في مجتمع يظل يأخذ منه ولا يعطي في المقابل فهذا عنوانه الفشل . هذه هي الأربع عناصر التي يجب أن تتوفر في أي عمل.

 

رسالة شركة البيك 
1- أفضل شيء يسعدنا هو أن نزرع ابتسامة في وجه الزبون , اننا دائما ما نقف بجوار الكاشير وننظر الى الزبائن ونعد كم شخص ابتسم أثناء خدمتنا له , فهـــذا امر يسعـدنا جدا
2- أعضاء الفريق : أفضل شيء في الحياة أن ترى اعين الانسان الذي يعمل معك براقة وذلك لأنه يأخذ في التعلم وينمو معك وان ترى اعينه تتحدى الصعاب التي يواجهها ومن خلالها فانه يصل إلى مراكز لم يكن يحلم بها في حياته ودائما ما ننظر إلى العامل على انه الرئيس التنفيذي للشركة , فمن وظيفتنا هي أن نوفر عناصر النجاح للعامل الذي يعمل حتى يقابل الناس وينجح في خدمتهم بصورة رائعة , فالمفهوم لإدارة شركتنا هو أن أهم شخص في الشركة هو الشخص الذي يقف لمقابلة الزبون والشخص الذي يحضر الأكل , ومن هذا المنطلق ننظر إليه على انه الرئيس التنفيذي .

 

قصة قصيرة

 
يقول رامي مره أخرى: كنت في المطار انا وعائلتي للسفر فكنا واقفين طابور وكان الطابور زحمة جدا لتصديق الجوازات , فنادى موظف الجوازات علي بصوت عالي ” تعال ” ففرحت انه سيمشيني قبل الآخرين فاشرت له وقلت له انا وااشر على نفسي , فقال لي : لا ليس أنت واشر على شخص كان يقف أمامي فكان هذا الشخص هو واحد من أعضاء فريقنا يعمل في فرع حراء – جدة ” هندي الجنسية ” فمشاه قبل الآخرين فعندما قربت من موظف الجوازات قلت له ماهو السبب في أن تقدمه عنا فقال لي ” اووه .. هذا البيك ” فكل مرة اروح عنده في حراء يمشييني بسرعة ويضع لي الثوم الزيادة والعيش الزيادة فكنت سعيدا جدا بغض النظر عن اني صاحب البيك فالزبون لا يعرف من هو ” احسان أو رامي أبو غزالة ” ولكنه يعرف الشخص الذي يتعامل معه فقط .

من هم منافسينك ؟
المنافس الحقيقي ليس المطعم الذي يعمل في مجالنا بل أن منافسينا هم أي شخص يقدم خدمة سواء كان بنك أو سوبر ماركت , لماذا ؟ لوتخيلت نفسك ذاهب إلى بنك في الصباح فوجدت حارس الأمن في البنك لابس صح ويبتسم لك ويرحب بك ويفتح لك الباب , وبعد ساعة ذهبت إلى البيك ووجدت حارس الأمن في البيك جالس على حوض الزرع وملابسه غير مرتبة ولا يبتسم وهو سائل فيك فالانطباع الذي سيتولد لديك هو لماذا الخدمة في البنك أفضل من البيك ولماذا حارس الأمن هذا ليس مثل حارس امن البنك بل أفضل منه فالمنافس هو كل من يقدم خدمة ويقدمها أفضل منا ان في كل وجبة يدفع ريال صدقة .هذا هو سر النجاح.” إنتهي كلام المهندس رامي

خاتمة: 

هناك رواية مشهورة عن عائلة ابو غزالة، وهي أنهم بعد وفاة والدهم قرروا ان يتصدقوا بريال سعودي واحد من كل وجبة لمدة ثلاثة اشهر فقط ابتداء من رمضان، وذلك صدقة عن والدهم الذي توفي، فزادت ارباحهم ومبيعاتهم بشكل خيالي في فترة الثلاث اشهر اللتي قرروا ان يستقطعوا الريال فيها من كل وجبة. فإستمروا في هذة الطريقة حتى الان. ويقال أنه زادت المبالغ المخصصة للصدقة مع تزايد المبيعات والفروع فقررت الادارة ان يتم تنويع مخارج الصدقة من الطريقة التقليدية بتوزيع الصدقات يدويا او على الجمعيات الخيرية.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ “مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ “

m23356ult

maxresdefault5

47feed11e311c495d250c28e7e10cd7fa5077b53 20120729_Chicken-Fillet-Nuggets-Meal-Homepage-2 Emily