الإبتعاث والمنح الدراسية – مشاكل وحلول

في جو ربيعي جميل قررت ان ازور جامعة كالجري العريقة، ومع تفضيلي الدائم للتنقل بالقطار، إخترت الباص. وانا في مُنتصف الطريق، صعد على الباص اثنان من العرب، لم اعرف انهما عرب إلا عندما تحدثا. لأن هيئتهم الخارجية ولبسهم أخرج الضب من جحره وأدخلهم مكانه. عندما جلسا في الباص وبدأ حديثهما، عرفت انهما مبتعثين. حقيقة لم أكن أتصنت، ولكن كان صوتهم مرتفعا لدرجة لا تستطيع عدم السماع.

 وببنما انا استمتع بالمناظر الربيعية الجميلة، ونتيجة لصوتهم المرتفع، سمعت خطتهم السرية للغش في إختبار ذلك اليوم. وكان الحديث فيه قمة عدم المراعاة لمن حولهم اواذا كان هناك ايضا من يتحدث العربية في الباص. وبينما انا احاول تحليل مايحدث، نزلا من الباص. هنا تمنيت لو اني تحدثت معهم ونصحتهم. ولكن ربما بعض من سيقراء هذه الكُليمات قد ينأى بنفسه عن طريقهم.

كشخص اعتمد على الله اولا، ثم على ذاته من الإبتدائي وحتى الدكتوراة ولله الحمد، أغبط كثيرا بعض الطلاب الذين يجدون الدعم المادي والمعنوي اللامحدود من دولهم. فتجد أن في بعض الدول، من السهل جدا ان تحصل على منحة داخلية او خارجية او ابتعاث داخلي او خارجي. وذلك لماتوفره تلك الحكومات من تسهيلات ودعم للطلاب. قارن هذا مع شخص عمل ودرس في نفس الوقت لدفع رسوم المدرسة. ثم عمل ودرس في نفس الوقت لدفع رسوم الدراسات العليا.

هناك مسؤولية اجتماعية ووطنية لكل من يجد تلك الفرصة التعليمية، الا وهي ان يمثل نفسه واهله وبلده بمايليق. وهناك مسؤولية أعظم امام الله سبحانه وتعالى. ستُسأل عن أمور كثيرة منها أموال المنحة او الإبتعاث اللتي إستلمتها، في ما أنفقتها، والعِلم الذي من المُفترض ان تكون تعلمته.

من جهه أخرى، الإعتقاد أن الطالب عندما يحصل على منحة دراسية او ابتعاث، تكون كل مشاكله انتهت وأنه على وشك التفوق الأكاديمي هو تصور خاطئ. الأمر مثل إعطاء شخص مكونات كعكة وتركه في المطبخ والإعتقاد انه سيحضر لك الكعكة كما تريد. المسئلة تحتاج تحضير وتأهيل للوصول للنتائج المرجوة.

ومن وجهة نظر أكاديمية بحته، من الخطأ ارسال شاب صغير حديث التخرج من الثانوية العامة إلى دولة اخرى من دون تحضير نفسي، اجتماعي واكاديمي.  في دراسة للمركز الوطني الأمريكي للسياسة العامة والتعليم العالي، ثبت ان 60% من طلبة الثانوية العامة المقبلين على الجامعة، غير جاهزين لبداية الدراسة الجامعية، مع انهم مؤهلين لها من ناحية المجموع والدرجات. وهذا في امريكا، فما بالكم في مجتمعاتنا! والامر لايحتاج الى ميزانيات ضخمة او فترة طويلة من التدريب والتأهيل. بل يحتاج الى وعي، ارادة و تحضير بسيط. مثلا، هنا اربعة عوامل رئيسية يجب أن تتوفر في الطالب ليقدم على الدراسة الجامعية بدون أي إشكال وايضا يتفوق بإذن الله، وهي:

  1. قدرته على التحليل والإستنباط
  2. وجود الحد الأدنى من المعرفة بالتخصص الذي سيدرسه
  3. قدرته على إدراة وقته
  4. إستيعابه الجيد لمقررات الثانوية

وذا نظرنا إلى هذه الأربعة العوامل، سنجد أن الكثير من الطلاب يدخل العالم الجامعي وهو غير جاهز على الإطلاق، هناك الرغبة والإرادة والمجموع. وهذا ممتاز، ولكن المسألة أعمق من ذلك، بالذات إذا نظرنا إلى الأربعة عوامل أعلاه. مثلا تجد طالب سيدرس باللغة الإنجليزية وهو لايملك الحد الأدنى فيها، لايستطيع كتابة ربع صفحة عن أي موضوع. فيدخل في برنامج لغة إنجليزية ويترك بمفرده من دون تحضير أو تأهيل. وحسب الإحصائيات اللتي وصلتني من مسؤولين تعليم عالي في أحد الدول العربية، نسبة نجاح الطلاب في مرحلة اللغة الإنجليزية من أول مرة (بدون إعادة) هي 30%!!! من جهة أخرى تجد آخر يريد دراسة الهندسة وهو يكره مادة الرياضيات، وثالث يرى أن الإبتعاث عبارة عن إجازة صيفية طويلة. هل تتخيلون معي الصورة؟

ولكن الجانب المشرق هو أن الطلاب أنفسهم لا يريدون الفشل أو مجابهة صعوبة في الدراسة، يريد التفوق ويريد أن يتخرج ويعود إلى مجتمعه كفرد منتج. بالإضافة إلى ذلك هناك الكثير من الحلول لمساعدتهم للوصول إلى هدفهم، بالذات إذا نظرنا لها بجدية. مثلا، من خلال المركز الدولي للتجربة الكندية، هناك برنامج نقيمه للطلاب القادمين لكندا من دول لاتتحدث بالإنجليزية، البرنامج هو عبارة عن تأهيل الطالب لتعلم الإنجليزية وللحياة الجامعية. ومع ان البرنامج هو لمدة ثلاث ايام فقط، الا انه فعال في تأهيل الطالب نفسيا للحياة الجامعية وتعليمه اساليب الدراسة الصحيحة واساليب تعلم اللغة الإنجليزية وإدارة الوقت. ولكن كم دول تتبع خطى كندا في هذا ؟

اذا تم تطبيق برامج تحاكي هذا البرنامج على كل طالب منحة دراسية او طالب مبتعث، هل تتوقعون ان يجلس الشابان الذين رأيتهما في الباص لمدة نصف ساعة او اقل يخططان كيف يغشان في الإختبار؟ لا اعتقد.

.